فصل: قال في البحر المديد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا}.
قيل: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه حين دعاه ابنه عبدُ الرحمن إلى عبادة الأصنام فتوجيهُ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للإيذان بما بينهما من الاتصال والاتحادِ تنويهًا بشأن الصّدّيق رضي الله تعالى عنه أي أنعبد متجاوزين عبادةَ الله الجامعِ لجميع صفاتِ الألوهية التي من جملتها القدرةُ على النفع والضرر ما لا يقدِرُ على نفعنا إذا عبدناه ولا على ضَرِّنا إذا تركناه وأدنى مراتبِ المعبوديةِ القُدرةُ على ذلك. وقوله تعالى: {وَنُرَدُّ على أعقابنا} عطفٌ على {ندعوا} داخلٌ في حكم الإنكارِ والنفْي أي ونُرَدّ إلى الشرك، والتعبيرُ عنه بالردِّ على الأعقاب لزيادة تقبيحِه بتصويره بصورةِ ما هو عَلَمٌ في القُبح مع ما فيه من الإشارة إلى كون الشركِ حالةً قد تُركت ونُبذتْ وراءَ الظهر، وإيثارُ {نرد} على نرتد لتوجيه الإنكار إلى الارتداد بردِّ الغير تصريحًا بمخالفة المُضلِّين وقطعًا لأطماعهم الفارغةِ وإيذانًا بأن الارتدادَ من غير رادَ ليس في حيز الاحتمال ليُحتاجَ إلى نفيه وإنكاره، وقوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} أي إلى الإسلام وأنقذنا من الشرك متعلقٌ بنرُدّ مَسوقٌ لتأكيد النكيرِ لا لتحقيق معنى الرد وتصويرِه فقط وإلا لكفى أن يقالَ: بعد إذ اهتدينا كأنه قيل: ونُرَدّ إلى الشرك بإضلال المضِلّ بعد إذ هدانا الله الذي لا هاديَ سواه وقوله تعالى: {كالذى استهوته الشياطين} في محل النصبِ على أنه حالٌ من مرفوع {نُرد} أي أنرد على أعقابنا مشبَّهين بالذي استهوته مَرَدةُ الجن واستغوته إلى المهامِهِ والمهالك، أو على أنه نعتٌ لمصدر محذوف أي أنُرد ردًا مثلَ ردِّ الذي استهوته الخ، والاستهواءُ استفعال من هَوَى في الأرض إذا ذهب فيها كأنها طلبت هُويَّه وحرصت عليه وقرئ استهواه بألفٍ مُمالة، وقوله تعالى: {فِى الأرض} إما متعلق باستهوته أو بمحذوفٍ هو حال من مفعوله أي كائنًا في الأرض وكذا قوله تعالى: {حَيْرَانَ} حال منه على أنها بدلٌ من الأولى أو حال ثانية عند من يجيزها أو من {الذي} أو من المستكن في الظرف أي تائهًا ضالًا عن الجادة لا يدري ما يصنع وقوله تعالى: {لَهُ أصحاب} جملة في محل النصب على أنها صفةٌ لحيران أو حالٌ من الضمير فيه أو مستأنفةٌ سيقت لبيان حالِه، وقوله تعالى: {يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى} صفةٌ لأصحاب أي لذلك المستهوى رفقةٌ يهدونه إلى الطريق المستقيم، تسميةٌ له بالمصدر مبالغةً كأنه نفس الهدى {ائتنا} على إرادة القول على أنه بدل مِنْ {يدعونه} أو حال من فاعله أي يقولون: ائتنا، وفيه إشارة إلى أنهم مهتدون ثابتون على الطريق المستقيم وأن من يدعونه ليس ممن يعرف الطريق المستقيم ليدعى إلى إتيانه، وإنما يُدرك سمتَ الداعي ومورِدَ النعيق فقط {قُلْ إِنَّ هُدَى الله} الذي هدانا إليه وهو الإسلام {هُوَ الهدى} وحدَه وما عداه ضلال محضٌ وغيٌّ بحتٌ كقوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال} ونحوِه، وتكريرُ الأمر للاعتناء بشأن المأمورِ به ولأن ما سبق للزجْرِ عن الشرك وهذا حثٌّ على الإسلام، وهو توطِئةٌ لما بعده، فإن اختصاصَ الهُدى بهُداه تعالى مما يوجبُ الامتثالَ بالأوامر الواردةِ بعده {وَأُمِرْنَا} عطفٌ على {إن هُدى الله هو الهدى} داخلٌ تحت القول، واللام في {لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} لتعليل الأمر المَحْكيِّ وتعيينِ ما أريد به من الأوامر الثلاثة كما في قوله تعالى: {قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ} الآية، كأنه قيل: أمرنا وقيل لنا: أسلِموا لأجل أن نسلَمَ وقيل: هي بمعنى الباء أي أمرنا بأن نُسلم، وقيل: زائدة أي أُمرنا أن نُسلم على حذف الباء. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا}.
هذه الآية تبدأ بسؤال عن عبادة الأصنام أو غيرها، ما الذي صنعته تلك الأصنام أو غيرها لمن عبدها؟ وماذا صنعت لمن لم يعبدها؟. وهذا أول منطق في بطلان ألوهية غير الله، فمن عبد الشمس مثلا ماذا أعطته الشمس؟ ومن كفر بها كيف عاقبته الشمس؟. إنها تشرق لمن عبدها ولمن لم يعبدها. والصنم الذي عبدوه، ماذا صنع لهم؟ لا شيء. وهذا الصنم لم يُنْزِل عقابًا على مَنْ لم يعبده، بل إن الذي انتفع هو من لم يعبد الأصنام؛ لأنه أعمل فكره ليبحث عن خالق لهذا الكون.
وهكذا نجد النفع والضر إنما يأتيان من الإله الحق: {وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} والإنسان دائمًا حين يسير فهو يقطع خطوة إلى الأمام فيقصر المسافة أمامه، أما من يُرَدُّ على عقبه فهو من يرجع هذه الخطوة التي خطاها.
وهذا حديث المؤمنين الذي يرفضون أن يعودوا إلى عبادة غير الله لأنهم آمنوا وساروا في طريق الهدى، وليس من المنطق أن يرتدوا على أعقابهم وأن ينقلبوا خاسرين.
{كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض} كلمة شيطان مقصود بها عاصي الجن. والجن جنس مقابل للإنس، وما دام في الإنس طائعون وعاصون فكذلك في الجن طائعون وعاصون.
والحق قال: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1- 2].
إذن فمن الجن من هو مؤمن. ومن الجن من هو عاصٍ. والعاصي من الجن يُسمى شيطانًا. وإياك أن تنكر أيها المسلم وجود الشيطان لأنك لا تراه، لأن الشيطان من المخلوقات التي ذكرها الله من عالم الغيب، وحجة وجودها هو تصديقك لمن قال عنها، وهناك فرق منطقي وفلسفي بين وجود الشيء وبين إدراك وجود الشيء. والذي يتعب الناس أنهم يريدون أن يوحدوا ويربطوا بين وجود شيء وإدراكه. وهناك فارق بين أن يوجد أو يدرك؛ ذلك أن هناك ما يكون موجودًا ولكنه لا يُدرك.
{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} [الأنعام: 71].
جاء هذا التصور في صورة استفهام. إنّ الحق طلب من رسوله أن يقوله، فكأن الصورة: أن قومًا هداهم الله إلى الحق فدُعُوا إلى أن يعبدوا غير الله ويدعوا ما لا ينفع ولا يضر، فيردوا على أعقابهم، أي بعد الهداية، وهذه هي صورة الحيرة والتردد؛ لأنهم كانوا على هدى، ثم دُعُوا إلى أن يعبدوا من دون الله ما لا ينفع ولا يضر. وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة لهذه الحيرة، ولهذا التردد، فقال: {كالذي استهوته الشياطين}.
و{استهوته} من مادة استفعل وتأتي دائمًا للطلب؛ كقولنا استفهم.
أي طلب الفهم، واستخرج. أي طلب الإخراج للشيء، فاستهوته طلبت هُوِيَّة. أي جعلته يتقبّل ما تريد واستولت عليه دون أن يكون لديه أي دليل أو حجة على صحة ما تدعوه إليه بأن صار عجينة تشكله الشياطين كما تشاء، وترده مادة الهاء والواو والياء لمعانٍ، إن مُدَّت؛ فهي الهواء الذي نتنفسه، وما به أصل الحياة، وإن قُصِرَت، فإنها هي الهَوَى وهو ميل النفس إلى شيء، أو تكون هُويًّا أي سقوطًا.
إذن فالمادة تأتي إما للهواء إن كانت ممدودة، وإن كانت بالقصر فهي من الهَوَى أو من الهُوِىّ؛ كأن تقول: هَوَى، يَهْوِي؛ هُوِيًّا أي سقط من علوٍّ إلى أسفل، وهَوِىَ، يَهْوَى، هَوّى. أي أحبَّ، وهكذا نعرف أن {استهوته} أي طلبت هويَّه أو هواه أي ميل نفسه إلى اتباع الهَوَى، وحين تستهوي الشياطين الإنسان فهي تريد أن تجتذبه إلى ناحية هواه، وتوقظ الهوى في النفس، وبذلك تدعوه ليَهْوِي. والحق يقول: {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء فَتَخْطَفُهُ الطير أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31].
وحين يخرّ عبد من السماء، إما أن تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وحين تأتي إلى الهَوَى والهُوِىّ فاعلم أن الهوى يجذبك إلى ما يضرك، ولذلك لا تسلم منه إلا أن يكون هواك تبعًا لما جاء به الحق، ولكن إن اتبعت هواك فلابد أن يؤدي بك إلى الهُوِيّ: {كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حَيْرَانَ} [الأنعام: 71].
وما هي الحَيْرة؟ هي التردد بين أمر ومقابله. وعرفنا من قبل أن الحَيْرة في هذه الآية جاءت لمن اهتدى وسار خطوة للمنهج ثم رُدَّ على أعقابه ورجع، ولكن له أصحاب يدعونه إلى الهدى، فهو بين شيطان يستهويه، وأصحاب يدعونه للمنهج؛ لذلك يكون حيران: بين هاوية ونجاة، والشيء الذي يهوي لا استقرار له، وحين نرى- على سبيل المثال- حجرًا يهوي للأرض نجده يدور، ولا اتجاه له. وهذه صورة معبرة، ويأتي له القول الفصل: {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} [الأنعام: 71].
فمن يتبع إذن؟ إنه يتبع الذين يدعونه إلى منهج الحق سبحانه وتعالى؛ لأن الهدى هو المنهج والطريق الموصل للغاية، والصنعة لا تضع غاية لنفسها، بل الذي يضع الغاية هو من صنعها، وسبق أن قلت: إنّ التليفزيون لا يقول لنا غايته، ولا يعرف كيف يصون نفسه، بل يضع ذلك مَنْ صنعه، وكذلك الإنسان عليه أن يأخذ غايته مِمَّن خلقه، والذي يفسد الدنيا أن الله خلق، لكن الناس أرادوا أن يضعوا لأنفسهم قانون الصيانة، لذلك نقول: إن علينا أن نأخذ قانون الصيانة ممن خلقنا، وهدى الله هو هدى الحق.
وجاءت {الهدى} هنا لتعطينا يقينًا إيمانيًا في إله واحد، وحين توجد عقيدتنا في إله واحد، لا تختلف أهواؤنا أبدًا؛ لأنه هو الذي يضع لنا القانون، وساعة يضع لنا القانون ويكون كلٌّ مِنِّا خاضعا لقانونه، لا يذل أحد منا لأحد آخر؛ فأنا وأنت عبيد لإله واحد، ولا غضاضة عليك ولا غضاضة عليّ. وحين يُريد البشر أن يسير الناس على أفكارهم فإن صاحب الفكر يريد أن يُذِل الآخرين له ويأخذهم على منهجه وعلى مبدئه، وهو في الحقيقة ليس أفضل منهم، ولذلك تجد الهداية الحقة حين نخضع جميعًا لإله واحد، ويتساند المجتمع ويتعاضد ولا يتعاند، ويتوجه الهوى إلى محبة منهج الله. {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض} [المؤمنون: 71].
ولهذا جاء الدين؛ لأن الشرع لا يقرر شيئًا ضد الإنسان.
ونذكر جميعًا قصة ملكة سبأ وسيدنا سليمان عليه السلام حينما قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ}. ولم تقل: أسلمت لسليمان بل أسلمت مع سليمان لله، فلا غضاضة أن تكون قد أسلمت فهي ليست تابعة لسليمان، بل تابعة لرب سليمان، إذن حين يأتي التشريع من أعلى، لا غضاضة لأحد في أن يؤمن، ولا يظن واحد أنه تبع لآخر بل كلنا عبيد لله. وحين نكون جميعًا عبيدًا لواحد نكون جميعًا سادة.
ويتمثل الهدى في الإيمان بإله واحد، ونأخذ هذا الإيمان بأدلتنا العقلية. إننا ندخل عليه من باب العقل، ونسلم أمرنا له؛ لأنه هو أعلم بما يصلحنا. {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين} [الأنعام: 71]. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الإشارة: إذا توجه العبد إلى مولاه، وانقطع بكليته إلى الله، طالبًا منه معرفته ورضاه، قد يمتحن بشيء من شدائد الزمان؛ كالفاقة وإيذاء الخلق والأحزان، فيقال اختبارًا له: تعلق في دفع ما نزل بك بشيء من السِّوى، فيجب عليه أن يقول: {أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونُردُّ على أعقابنا} بالالتفات إلى غير ربنا، بعد إذ هدانا الله إلى توحيده ومعرفته، ونكون كالذي استهوته الشياطين في الأرض، حيران بالتفاته إلى غير الكريم المنان، {قل إن هدى الله} أي: هدايته الخاصة، وهي الإنقطاع إليه وحده في الشدائد، {هو الهدى}، وقد أُمرنا بالانقياد بكليتنا إلى ربنا، وأُمرنا إذا حزبنا شيء بإقامة الصلاة؛ لأنها مفتاح الفرج، وبالتقوى؛ لأنها سبب النصر؛ {إنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا}، وآخر أمرنا الموت والحشر إلى ربنا، والاستراحة إلى الروح والريحان. وبالله التوفيق. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {قل أندعوا من دون الله} هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله، كمثل رجل ضل عن الطريق تائهًا ضالًا إذ ناداه مناد فلان بن فلان هلم إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في هلكة، وإن أجاب من يدعو إلى الهدى اهتدى إلى الطريق، وهذه الداعية التي تدعو في البرية الغيلان. يقول: مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة. وقوله: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض} يقول: أضلته وهم الغيلان، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه في شيء، فيصبح وقد ألقته في هلكه وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشًا، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {قل أندعوا من دون الله...} الآية. قال: قال المشركون للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد. فقال الله: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} فهذه الآلهة {ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله} فيكون مثلنا {كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض} يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإِيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض، وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم، فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة لمحمد، ومحمد الذي يدعو إلى الطريق والطريق هو الإِسلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} قال: الأوثان. وفي قوله: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران} قالِ: رجل حيران يدعو أصحابه إلى الطريق، فذلك مثل من يضل بعد إذ هدى.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كالذي استهوته الشياطين...} الآية. قال: هو الرجل الذي لا يستجيب لهدي الله، وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وجار عن الحق وضل عنه، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى يزعمون أن الذي يأمرونه به هدى الله، ويقول الله ذلك لأوليائهم من الإِنس بقول: {إن الهدى هدى الله} والضلالة ما يدعوا إليه الجن. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: خصومة علمها الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يخاصمون بها أهل الضلالة.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي إسحق قال: في قراءة عبد الله: {كالذي استهواه الشيطان}.
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن أبي إسحق قال: في قراءة عبد الله: {يدعونه إلى الهدى بينا}.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: في قراءة ابن مسعود {يدعونه إلى الهدى بينا} قال: الهدى الطريق، أنه بين، والله أعلم. اهـ.